1- الحكومة الظالمة أم خطر النمر؟

تقول إحدى القصص: إنّ الحكيم (كونفوشيوس ) مرّ على مقربة من جبل (تاي )، فرأى امرأةً تقف إلى جانب أحد القبور وتبكي بحرقة؛ فسارع المعلِّم إليها، وبعث تلميذه (تسي-لو ) يسألها: إنّك لتبكين يا امرأة، وكأنّك احتملت من الأحزان فوق الأحزان.

فردت المرأة تقول: وكذلك الأمر؛ فقد قتل نمر من قبل والد زوجي في هذا الموقع، وقد قتل زوجي أيضًا، وها هو ولدي قد مات الميتة نفسها أيضًا.

فقال المعلِّم: ولماذا.. لماذا لم تتركوا هذا المكان؟. فردت المرأة: ليست هنا حكومة ظالمة!

فقال المعلِّم لتلاميذه آنذاك: تذكروا قولها يا أولادي، إنّ الحكومة الظالمة أشد فظاعة من النمر.

ويظهر من القصة السابقة أن عملية ‘‘ترويض ’’ السلطان، كما يسميها الفيلسوف البريطاني (برتراند رسل ) في كتابه (السلطان ) موضوع قديم، فقال عنها الطاوين إنَّها مشكلة ليس لها حل، وأن الاستقرار على نظام حكم محكوم عليه ومسيطر عليه لن يتم.

وحسب (رسل ) فإنّه يمكننا توصيف علاقة الضغط التي تمارسها الدولة على شعبها بعلاقتنا بالحيوانات: فمثلًا، عملية تعليق الخروف بحبل وشدّه بعنف، يمكن أن تتمثّل في سلطان الشرطة والقوّات المسلحة. وعندما يلحق الحمار الجزرة مقتنعًا أنّ مصلحته في أن يفعل ما تريد الدولة، فإنّه يمكن توصيفها بسلطان الدعاية. وعملية إجبار أحد قادة القطيع بالقوة لتسير وراءه باقي حيوانات القطيع راضية، فتتمثّل هذه الظاهرة عندما يكون زعيم حزب ما موثوقًا لدى قطاع كبير من النّاس.

ولكن رغم ما قد يحدث من الحكومات إلا أنّه هناك حاجة ماسة لها؛ لأنّ الإنسان كائنٌ تتحكّم فيه رغباته الفردية؛ ولذا يحتاج إلى العيش في جماعات ليحمي الآخرين من نموذج الغابة .. ومن هنا نشأت الحاجة إلى قيام الدولة.

ورغم التخوّف – الذي هو في محله - بأنّه يمكن أن تسيطر قلة على الحكومة وتسيّر الأمور لمصلحتها، إلا أنّ الزمن وحده يرد على هذا التخوّف؛ فالمجتمعات الإنسانية ليست كالحيوانية تعيش برتابة، ولكنّها متطورة ومفتوحة على مجتمعات إنسانية أخرى، فإنّه ومهما طالت سيطرة حكومة ديكتاتورية على الحكم فإنّه سيأتي يوم وتزول وتتغيّر الأمور .. ولكن بدون ما يسمّي (هيكل الدولة ) فإن عملية تنظيم الحياة وحماية الأرواح ستكون مستحيلة.

ولذا، فإنّ خطر الحكومة الظالمة كبير، لدرجة اعتباره أخطر من مواجهة النمر. ولكنّ العيش في مجتمع الغابة بدون دولة أخطر.

2- ضرورة الاجتماع الإنسانيّ عند ابن خلدون

ينطلق (ابن خلدون ) من نظريته عن ضرورة الاجتماع الإنسانيّ من نقطتين هما: الغذاء، والدفاع.

فيرى (ابن خلدون ) أنّه لا يمكن للإنسان أن يُطعم نفسه رغيفًا من الخبز لولا تعاون سلسلة لا نهائية من الصناعات والمهارات؛ مثل عملية حراثة الأرض التي تحتاج إلى بالأدوات المعدنية، فإنّها تحتاج إلى صناعة التعدين، والتي تحتاج إلى عملية كشف عن معادن ثم نقلها للتعدين، وهكذا من سلسلة تقسيم العمل، والتي اعتبرها (دور كهايم ) ثمرة وفائدة وجودة المدينة أو ما نطلق عليه حديثًا (الدولة ).

وبالعودة لنظرية الاجتماع الإنساني، فيتضح لنا أن عملية إنتاج لقمة الخبز الذي يساعد على العيش، تعطي الفرصة لظهور مهارات ووظائف أخرى يقوم بها الإنسان؛ فيبدأ بعدها في تنظيم الدفاع عن نفسه ومدينته، وتظهر بعد ذلك العديد من التخصصات داخل نطاق المدينة، أو كما قلنا سابقًا (تقسيم العمل ).

وبالتالي يثبت عالم الاجتماع الأشهر (ابن خلدون ) صحة نظريته، والتي بالطبع تؤكّد على كون الإنسان مدنيًّا بالأصل وليس عسكريًّا، وأن غاية الإنسان الأولى هي الاجتماع والتعايش وليس الحرب والاقتتال، كل ذلك داخل إطار الدولة.

وللتدليل على صحة نظرية الاجتماع عند (ابن خلدون )، ننطلق لقصة (صبي أفيرون ) الذي ظهر في فرنسا بعد اندلاع الثورة الفرنسية.

3- صبي أفيرون، وما يفعله بنا الاجتماع الإنساني

4- ما هي الفطرة واللغة التي يولد بها الإنسان؟

5- ما علاقة اللغة بالاستبداد؟

6- من أين ينبع الطغيان؟

7- سفر الخروج من نفق الديكتاتورية إلى فضاء الحرية

8- الانتخابات في العالم العربي: مائة بالمائة

9- ما بين الدولة والطغيان

10- طالب الحقيقة عند (نيتشة )